سنعرض فيما يلي لبعض الحالات :
أ - الإنكار لا يعني البراءة الإنكار يعني خطورة الوضع .
اعتقل عام1971 أحد المناضلين، وقد ضبط أثناء قيامه بعمل نضالي، وبحيازته أسلحة. حُقق معه بشكل سريع، وعنيف، ولكنه أصر على الإنكار.
سئل عن أصدقائه أنكر أن يكون له أصدقاء قام رجال المخابرات بجمع بعض المعلومات عنه، واتضح لهم أن له ثلاثة أصدقاء لا يفارقونه وهذا يعني أن إنكار المعتقل لأصدقائه يؤكد وجود علاقة تنظيمية بينهم، فاعتقل رجال الأمن الأصدقاء الثلاثة، وحققوا مع كل منهم منفرداً، وبأسلوب المضاربة، وأوهموهم أن مسؤولهم المعتقل اعترف بعلاقتهم معه، وبمشاركتهم في العملية، وان الأسلحة ضبطت فانهار الثلاثة، واعترفوا بعضويتهم في التنظيم، وسردوا كل ما يهم جهاز المخابرات عن علاقاتهم، والمهمات التي كلّفوا بها ومن خلال اعترافاتهم استطاعت المخابرات إيهام المسؤول أنها كانت تعرف عنه كل شيء، وواجهته بالمعلومات التي حصلت عليها من أصدقائه، وأخيراً انهار واعترف بكل شيء.
إذاً ليس الصمود في الإنكار المطلق، وليس الاعتراف مهارة. ولكن المسألة الأهم هي وجود أسس للعمل التنظيمي، والقدرة على التمييز بين ما يمكن قوله وبين ما يجب إنكاره حتى لو توفرت جميع الشواهد على المشاركة في العمل، وكذلك القدرة على تخمين الطريقة التي يحصل بها رجال الأمن على المعلومات والأدلة.
ب - الاعتراف لا يعني التسليم للأمر الواقع... التسليم للأمر الواقع يعني الانهيار.
في منتصف السبعينات اعتقل أحد المناضلين بعد تفتيش روتيني لمنزله إذ عُثر في المنزل على مسدس، وأوراق تنظيمية ورموز شيفرة.
حاول الإنكار في البداية ولكن ضباط المخابرات هددوه، وقالوا له لا داعي للإنكار وكل شيء واضح وأن قضيته لا تحتاج إلى ضرب أو تعذيب وأن كل القرائن ثابتة عليه، وأنه لن يحكم سوى بشهور قليلة فاعترف بأن المسدس له، وأنه وجد الأوراق في الطريق.
كانت أجهزة الأمن تبحث عن مجموعة شاركت بمسدس في تنفيذ بعض العمليات ضد مستوطنين وعملاء وأكد تقرير معهد البحث الجنائي أن المسدس الذي استخدم في كل العمليات هو المسدس نفسه.
لقد كان المسدس طرف الخيط الذي استخدمته أجهزة الأمن لكشف الخلية، واعتقال أفرادها.
إن اعتراف المناضل تحت مبرر التسليم بالأمر الواقع، لم يكشف عمله وحده، ولم يؤد إلى الكشف عن السلاح الذي لديه فقط، بل أوصله إلى الانهيار الكامل، والكشف عن اخوته المناضلين، وهذا ما يدفعنا للحديث عن شروط ومرتكزات العمل الأمني في التنظيم، وضرورة الحس الأمني كقاعدة أساسية على المجاهد اتباعها قبل البدء في العمل العسكري.
ج - شروط ومبادئ عامة :
1- عدم حمل أوراق بها أسماء أو عناوين أو صور.
2 - عدم حمل مفكرة لأرقام الهواتف.
3- عدم حمل ميداليات تحمل شعارات حركية أو صور أو رموزاً قيادية، أو إعلام.
4 - عدم ارتداء ملابس تلفت النظر (ملابس مموهة أو عسكرية) أو أزياء يعرف بها المجاهدون.
5 - ألا يحتفظ في غرفته أو منزله بأية أوراق خاصة أو وثائق أو ملفات، أو مواد تحريضية، أو ذخيرة، أو أسلحة.
6 - ألا يحضر اجتماعاً تنظيمياً في منزله أو منازل الاخوة المعروفين في الحركة.
7 - أن يخفف من علاقاته الاجتماعية مع الاخوة النشطاء في الحركة.
8 - أن لا يتحدث مع اخوته في الحركة في الأماكن العامة.
د - القصة الإخبارية "الملفقة" :
للعمل السري ظروف خاصة تمتاز بالتعقيد، مما يجعله بحاجة إلى أذهان متفتحة، وقدرة متميزة على حسن التخلص من المأزق، ومن الأساليب الشائعة لدى المناضلين في التخلص أثناء التحقيق ما يسمى بالقصة الإخبارية.
وهي قصة ملفقة مدروسة بعناية، وموضوعة بدقة، بحيث يستطيع المجاهد أن يقنع المحقق بحكاية لا تكشف أسرار نشاطه العسكري، ونشاطات تنظيمه، وتضلل المحقق في نفس الوقت.
القصة الإخبارية، ليست ثابتة، بل هي متغيرة حسب الموضوع، والظروف والأحوال، والأشخاص وهي إبداع، وليست تقليداً، أو حفظاً عن ظهر قلب، فهي لعبة ذكاء لمواجهة المحقق، مما يتطلب من المجاهد، أن يكون قادراً على إدخال عناصر جديدة إلى القصة المعدة سلفاً إذا شعر بالحاجة إلى ذلك بدون أن يدخل الاضطراب، ويخل بالحبكة القصصية، وعليه أن يراعي العفوية والتلقائية في الحديث بحيث لا يظهر عليه ارتباك، أو تردد، أو لعثمة، أو أي ضعف يمكن أن يفضح حقيقة القصة الملفقة، وهذا يتطلب التدريب المسبق على تأليف هذا النوع من القصص، ليتمكن من الصمود، والعمل في الظروف المختلفة.
فالقصة الإخبارية، ليست حكاية مرتجلة، ولكنها محبوكة، ومعدة بدقة بحيث يتقمص المجاهدون أمام المحقق، بأداء تمثيلي ناجح، وهي تقوم على أسس ومرتكزات وأهداف.
الهدف من القصة الإخبارية:
1 - التخلص أمام المحقق من إعطاء معلومات تثبت التهمة عليه أو تكشف عن طبيعة عمله أو عمل اخوته في الحركة.
2 - التخلص من المآزق التي قد يواجهها المجاهد أثناء تنفيذ مهماته.
3 - جمع المعلومات من المناطق الحساسة، أو المناطق المحاصرة أمنياً.
4 - اختراق مكان أو تجمع، أو جهاز أمنى، وسهولة التحرك في هذه المواقع.
أسس ومرتكزات القصة الإخبارية:
1 - أن تكون القصة قابلة للتصديق، وغير مثيرة للشك.
2 - أن تكون محبوكة، ولا توجد فيها ثغرات.
3 - أن تنسجم مع طبيعة، وظروف المجاهد، والمنطقة التي يعمل فيها.
4 - أن تنسجم مع المهمة التي يكلف المجاهد بها.
5- أن يراعى في تركيب القصة التغطية على المصاريف المالية ومصادرها.
6- أن يعرف المجاهد معلومات كافية عن المكان الذي يتحرك فيه من حيث العادات الاجتماعية واللهجة والمميزات الأخرى.
7- أن يحفظ المجاهد جميع المعلومات عن الشخصية التي تقمصها الاسم الرباعي، المهنة، تاريخ الميلاد، مكان الميلاد... الخ.
8 - أن يراعى توفير بعض المستندات التي تؤيد القصة كالبطاقة، وجواز السفر، وبعض الأوراق الثبوتية.
أنواع القصة الإخبارية:
1 - القصة الدائمة: وهي تمثل ساتر التواجد الدائم في منطقة ما كأن يكون الساتر طالباً أو تاجراً، أو مدرساً، أو عاملاً الخ.
في هذه الحالة، يجب على المجاهد أن يحمل معه الأوراق الثبوتية المتناسبة مع القصة.
ب - القصة المؤقتة : وهي القصة التي تبرر التواجد في مكان محدد لمدة محدودة، هي فترة القيام بالعمل السري.
إن طبيعة العمل العسكري السري داخل الأراضي المحتلة يتطلب غالباً، استخدام القصة الإخبارية المؤقتة، وفي هذه الحالة، يجب على الحركة أن تضع الخطة الكاملة لهذه المهمة، وأن تؤلف القصة الإخبارية المناسبة للمجاهد المكلف بتنفيذ المهمة على الشكل التالي:
أ - تبدأ القصة الإخبارية من نقطة الانطلاق حتى التنفيذ، ثم العودة من المهمة إلى القاعدة.
ب - تقسيم العملية إلى مراحل.
ج - التركيز في القصة على المراحل الخطيرة.
د - وضع احتمالات الاعتقال في كل مرحلة.
ه¬¬- - طرح سؤال مهم في كل مرحلة ... في حالة الاعتقال ، ماذا سيجيب ، ماهو الغطاء والساتر.
و- مناقشة القصة بين المجاهد المكلف بالتنفيذ ومسؤوله، بكافة تفاصيلها وإعطائه الفرصة للمشاركة في صياغتها.
ز- وضع المجاهد قبل البدء في التنفيذ تحت اختبار لقدرته على التحمل، وعلى التمسك بالقصة المعدة بحيث يتعرض المجاهد إلى أسئلة يمكن أن تواجهه أثناء التحقيق، أو في حالة تعرضه لمأزق كالسؤال عن شخصيته ومكان قدومه ومكان ذهابه، والأسلحة التي يحملها، مصدرها، الهدف من حملها، اسم مسؤوله، تنظيمه، اسمه الحركي، رقمه السري، أفراد.. خليته... الخ .
وعلى المسؤول أن يطرح أسئلة الشَرَك التي يكون فيها السلب والإيجاب اعترافاً وعليه أن يكون جدياً صارماً وأن يضع المجاهد في جو تحقيق، وان يسجل أجوبته، وملاحظاته على جميع نقاط الضعف التي تظهر من المجاهد، وعلى المجاهد أن يتقن قصته اتقاناً كاملاً وان يكون سريع البديهة، متزناً في أجوبته، هادئ الأعصاب وان لا يستفز وإعادة هذه التجربة، إن تكرار هذا الامتحان يؤهل المجاهد لتدارك أخطائه ومواجهة أي طارئ بهدوء وخبرة وتمرس عندما يتعرض للتجربة الحقيقية.
على ضوء ما تقدم نعود للسؤال من جديد إذا ضبط المجاهد متلبساً هل عليه أن يعترف طالما وقع في الفخ؟
اعتقد أن الإجابة واضحة بعد الاعتماد على مبادئ ومرتكزات البناء التنظيمي في العمل العسكري والحس الأمني وإتقان القصة الإخبارية وتقمص الدور بالشكل الجيد بحيث تكون أجوبة المجاهد غير ضارة لمسيرة العمل الجهادي.
علينا أن لا نعبئ المجاهد بتوصيات أخلاقية مجردة قائمة على الشعارات مثل: "لا تعترف... كن رجلاً... شد حيلك... الخ". إنما علينا أن نسلحه بالوعي الكامل والإيمان الراسخ القائم على البناء العقائدي ثم نربي فيه القدرة على مواجهة المحقق دون أن ينهار وأن يمتلك رصيداً من الخبرة العملية.
وأهم درس في هذا المجال هو أن المحقق إنسان عادي وأن جهاز التحقيق مهما امتلك من معلومات وقدرات ليس كلي المعرفة وأن عملية التحقيق هي أشبه بالعض على الأصابع فكما يتعرض المجاهد للإرهاق الجسدي والنفسي أثناء التحقيق فإن المحقق أيضاً يتعرض لضغط نفسي ناجم عن طبيعة عمله ورغبته الشديدة في الحصول على معلومات، بالإضافة إلى الروتين والأداء الوظيفي الذي تفرضه عليه مهنته، مما يعني أن عملية التحقيق ستنتهي إذا لم يدلي بمعلومات حساسة وسيشعر حينها بالانتصار على المحقق وهو أمر له قيمة معنوية كبيرة جداً ترفع معنويات المجاهد وتعطيه شعوراً بالتفوق على المحقق (إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون)
4- الاعتقال في نقاط العبور إلى فلسطين :
ينتقل الفلسطينيون باستمرار عبر بوابات العبور في نيؤوت سيناء وجسري الأردن ومطار اللد باتجاه الدول العربية وباقي أنحاء العالم وذلك للدراسة أو العمل أو الزيارة أو العلاج أو التجارة، وجهاز الأمن الإسرائيلي يعرف أن أغلب هؤلاء سيلتقون بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع مجاهدين وتنظيمات خارج فلسطين في المكاتب والندوات والجامعات الخ.
لذلك فهو حريص أن يجمع أكبر قدر من المعلومات حول هذه المكاتب وإذا لم يستفد من هذه المعلومات بصورة مباشرة في الإيقاع بالمجاهدين، فإنها تنفع في بناء تصور عام لدى المخابرات حول نشاطات المجاهدين، وتدفع بالإيقاع بالمجاهدين الآخرين، وفي الكشف عن الثغرات في القصص التي يؤلفونها أمام المحقق وكثيراً ما يتعرض الأشخاص المشكوك بهم إلى الاعتقال على إحدى نقاط العبور وأغلب حالات الاعتقال تتم بسبب شبهة أو معلومات سابقة عندما يحمل جواز السفر وعليه أختام دخول وخروج لدول معروفة بتواجد قواعد تنظيمية ومعسكرات على أراضيها.