ثانياً - أسلوب الكيس :
هو أحد أساليب التحقيق التي تستهدف الضغط النفسي على المجاهد بواسطة تعذيبه جسدياً باستعمال كيس عادة ما يكون من قماش الشادر الذي يكاد لا يسمح للهواء بالدخول عبر مساماته ولا للضوء بالنفاذ منه، وعندما يوضع رأس المجاهد في الكيس، فإنه لا يستطيع أن يرى شيئاً ولا يستطيع أن يعرف الوقت ليلاً كان أم نهاراً، ويفقد الإحساس بالزمن الموضوعي، ويعيش في الزمن الذاتي الذي تصبح فيه الدقيقة ساعات بالإضافة إلى فقدان الإحساس بالمكان الواقعي لعدم معرفة المكان، وعدم رؤية أي شيء حوله، مما يحصر التفكير في الذات والنفس.
في داخل الكيس تتوقف كل الحواس عن العمل، وتنشط حاسة السمع حيث يسمع المعتقل في الغالب الصراخ، وأصوات التعذيب، وأصوات الأبواب الحديدية وهي تفتح وتغلق بضجيج عال، وأصوات الضرب، والتنهدات، وآهات المعذبين، وانين المنهكين، وأصوات خافتة كأنها صادرة عن أشباح، وهي في غالبها مفتعلة، ولكنها تصل إلى المعتقل بشكل مضخم جداً بسبب الكيس، ويتولد لديه إحساس قاس بالعزلة عن العالم، أو أن العالم كله قد انكمش، واختزل في الأصوات، وفي لحظات الترقب، "متى سيأتي دوري متى سأتلقى الرفسة من الخلف، أو الركلة في البطن، أو الضربة على الرأس"، وهي ضربات يتلقاها المعتقل عادة من الحارس لتصعيد توتره، ودفعه للانهيار، وللكيس رائحة كريهة رائحة العرق، أو تقيؤ، أو دم أو رائحة غاز فهو لا يغسل مما يسبب صعوبة شديدة في التنفس، وضيقاً في الصدر، ويستمر وضع الكيس في الرأس لأيام وأسابيع، وربما يضاف إليه كيس آخر لذلك على المجاهد البدء فوراً بالمعركة مع الكيس، وألا يبقى صامتاً مستسلماً ينتظر قدره عليه أن يحاول عمل ثقب في الكيس مهما كان صغيراً، سواء بقرضه بأسنانه أو بحكه في الحائط لكي تتوسع بعض مساماته، وتخف سماكته، ويظهر ثقب صغير وهذا الثقب مهم جداً في المعركة إنه نافذة للروح وللنفس قبل كل شيء، ومن خلاله يستطيع المعتقل مراقبة الجندي الحارس، ومعرفة مكانه، وفترة غيابه، ومعرفة المعتقلين الذين بجواره وعددهم ومن ثم يستطيع معرفة أصواتهم من خلال حركة أجسامهم ويستطيع التنقل من مكان إلى آخر في غفلة عن الحارس، والحديث مع المعتقلين بالإشارات كالنحنحة، والضغط على الأرجل، والهمس، ويمكنه استغلال غياب الحارس، وانشغال ضباط المخابرات لتحريض اخوته المعتقلين على الصبر، والتحمل، والصمود، ويمكنه معرفة الأوقات من خلال شعاع الشمس، وضوء النهار.
إن الكيس يولد ضغطاً شديداً على المجاهد يدفعه إلى التقيؤ وثقب الكيس يخلق لديه إحساساً بالحيوية، والنشاط مما يساعده على الصبر والصمود.
أحياناً يتظاهر الحارس بأنه سيضع إصبعه في عين المجاهد ليتأكد من أنه لا يرى، وعلى المجاهد في هذه الحال أن يحظر الحركة اللاإرادية، وألا يزيح رأسه، أو يتراجع للخلف، لأن الحارس سيدرك أن المجاهد يرى، لذلك سيضربه، ويغير الكيس بأسوأ منه، أو يضع كيساً آخر إضافياً في رأس المجاهد.
ثالثاً - أسلوب التعذيب الجسدي :
القصد من استخدام أسلوب التعذيب الجسدي، هو التسبب بالألم الشديد لدى المجاهد، وإرهاق جهازه العصبي ونفسيته إلى أقصى حد بحيث يضطر للانهيار والاعتراف، ويستخدم المحقق في هذا الأسلوب الضرب على المعدة ضربات سريعة وقوية، والضرب على الوجه، مما يحدث انتفاخاً وتورماً في العينين والضرب على المفاصل والعظام لإحداث ألم شديد أو الضرب على مؤخرة الرأس لإحداث الإنهاك في الجهاز العصبي، والضرب بالعصي الكهربائية التي تفرغ شحنات كهربائية في الجسم مسببة لسعات قوية، ومولدة ارتجاجاً شديداً في الجسد واستخدام "الفلكة" للضرب على باطن القدم، وإطفاء السجائر في الجسم مما يحدث حروقاً بالغة، وتحميل المجاهد كرسياً على يديه لفترات طويلة، ووضعه تحت دوش الماء البارد لساعات، ثم تعريضه لمروحة هواء سريعة، تجعل الهواء بارداً جداً، مما يؤدي إلى الارتجاف الحاد، وارتفاع نبض القلب، وصعوبة التنفس والتنقل من مكان بارد إلى مكان ساخن والوقوف على القدمين فترات طويلة، مما ينهك الأعصاب، ويجعل الأقدام تنتفخ وتتورم والشبح "التعليق" على الباب والضغط على الخصيتين بشدة، مما يحدث قدراً كبيراً من الألم.
إن المحقق عندما يستخدم هذه الممارسات، لا يستخدمها مرة واحدة، ولا يستخدمها بالترتيب ولكنه يستخدم بعضها بشكل تجريبي، محاولاً العثور على نقاط الضعف عند المجاهد ولمعرفة أثرها عليه، فإذا تأكد أنها لا تسبب أثراً عظيماً، ولم يعثر على نقاط الضعف يعمد إلى تجربة ممارسات أخرى مصحوبة بحملة نفسية، كتهديد المجاهد بأنه سيصاب بالعجز أو الشلل أو العقم، أو انه سيموت بسبب التعذيب، وهكذا يتعرض المجاهد لامتحان شديد للنفس لحظة التحقيق، ولكن المحقق لا يهدف إلى قتل المجاهد، بل إن هدفه هو الحصول على المعلومات، وهو يلجأ للتعذيب الجسدي، إنما يقصد بوضع المجاهد في حالة من الإرهاق والإنهاك، ولدفعه عبر الحيل النفسية للتفكير بحياته، وإنقاذ نفسه من العجز أو الموت، لذلك على المجاهد أن لا يكون هدفه المحافظة على حياته أو أن يضع في تفكيره الانهيار، والإدلاء بالمعلومات المطلوبة منه، إنما أن تكون مرضاة الله هي هدفه، مما يمكنه من تحمل الألم والعذاب، والقدرة على الصمود.
إن الإيمان الراسخ في القلب يولد في النفس طاقة روحية هائلة، وإرادة صلبة لا تكسرها أساليب التعذيب، وإن قانون الألم (يقول إن الضربات كلما ازدادت على الجسد يصبح أقل شعوراً بالألم ويتخدر) والألم هو شعور داخلي يشعر الإنسان ذاته بأن جسده يتعرض إلى الأذى إذ تنقل موجات عصبية عن طبيعة الألم إلى الجهاز العصبي المركزي. النخاع الشوكي والدماغ ليأخذ بدوره عبر ردات الفعل العفوية أو الإرادية موقفاً ما معظم الألياف العصبية المتخصصة بالألم منتشرة تحت الجلد، وحول الأعضاء في الجسم والألم له صفات عديدة، ويختلف من إنسان إلى آخر نسبياً، ويزداد الشعور بالألم أو يقل حسب الوضعية النفسية التي يكون فيها الأسير، وتلعب الحواس والمخيلة والتجارب السابقة دوراً في هذا الصدد، ويتحمل الإنسان الألم إلى حد معين، ثم يحصل الإغماء الذي هو نوع من الدفاع الذاتي عن الإنسان يحمي به نفسه تلقائياً.
رابعاً - أسلوب التشكيك :
يقوم أسلوب التشكيك على حيلة نفسية تعتمد على معلومات موجهة، مثل الحكايات والأمثال الشعبية، والمقدمات الخاطئة التي يستخدمها المحقق من أجل تشكيك المجاهد بعقيدته وتاريخه وانتمائه وقضيته وحركته واخوته المجاهدين، ليجره إلى هاوية الانهيار والاعتراف.
وقد يبدأ بتضخيم اليهود وكيف أنهم شعب الله المختار، وأن الله فضلهم على العالمين كما يؤكد القرآن، وان الله مع اليهود وينصرهم، ويؤيدهم وأن جذور عقيدتهم تقوم على الميثالوجية الدينية، والمحرقة "الهولوكوست" والخروج "الايكسودوس" والشتات الديسابورا والبطولة شمشون والانتحار الجماعي(متسادا) والوجود التاريخي لليهود في فلسطين أرض الميعاد وأن الأنبياء كلهم من نسل اليهود، وأن المسلمين متزمتون متعصبون، يريدون في عصر الذرة إعادة عصر العبيد، وأن اليهود أقوياء، ويتحكمون بالعالم، وأن جميع الزعماء والقادة والحكام عملاء لهم، وأن (إسرائيل) عبر تقدمها الحضاري والتكنولوجي أصبحت تتحدى العالم، وأن العرب لا يملكون أي قوة وان اليهود هزموا جميع الجيوش العربية في ساعات قليلة فإذا كانت جيوش العرب جميعاً لم تهزم (إسرائيل)، هل يستطيع مئات من المجاهدين أن يؤثروا فيها بشيء. إن هؤلاء المجاهدين مساكين يظنون أنهم يلحقون الأذى (بإسرائيل)، وهم في الحقيقة لا يلحقون الأذى إلا بأنفسهم وأهليهم وذويهم ومستقبلهم، ولا مبرر لهذه التضحيات التي لا تخدم الشعب بل تخدم القادة الذين يتاجرون بدمائهم وبحياتهم وهم يعيشون بأمان في الخارج، وأن (إسرائيل) ترغب بالسلام مع الجميع وأن ذراع جهاز المخابرات طويلة تصل إلى كل مكان، وأنهم يعرفون عنه كل شيء، وكانت التقارير تصلنا باستمرار فقط نحن أمهلناكم، وانتظرنا حتى اعتقلناكم جميعاً، من الكبير حتى الصغير، ولم يفلت من قبضتنا أحد فلا فائدة من الإنكار، وعليك أن تعترف كباقي زملائك الذين اعترفوا، وانتهى التحقيق معهم وسواء اعترفت أم لا، فنحن لا نريد اعترافك، المعلومات التي لدينا تحكم عليك بالسجن المؤبد لذلك عليك أن تفكر، ساعدنا، ونحن نساعدك، ومائة أم تبكي ولا أمي تبكي، والدجاجة إن حفرت على رأسها عفرت وأنا اقدم لك واقعة يوم:6/10 كنتم متواجدين في المنطقة الصناعية، نفذتم العملية، وكان معكم رشاش كلاشنكوف، نحن لم نكن، ولكننا نعرف كل شيء والآن تعال لترى المجاهدين هنا يتم اصطناع مسرحية بحيث يتم وضع مجاهد أو اثنين في وضع مريح، وهم يشربون الشاي وأمامهم أطباق من الفواكه وتجالسهم مجندة، ويتندر معهم ضابط آخر مجموعة نكات لكي يضحكهم، ويفتح المحقق فتحة صغيرة من كوة، لكي يشاهد المجاهد هذه الوضعية، وربما يكون هناك أخ تساقط أو اعترف يحضره ضابط المخابرات ويسأله "اسمك؟".. "هل اعترفت؟" نعم.. "أي تنظيم؟" أو يحضر عميلاً مدرباً ويدخل في رأسه كيساً لكي يقوم بهذا الدور.
إن المحقق يستجمع كل طاقاته، ويقدم كل أوراقه لكي يشكك المجاهد بنفسه وبدينه وباخوته، لكي يفقده الثقة في كل شيء، ولكي يخدعه عبر ألاعيبه بأن اخوته اعترفوا وأن المخابرات تعرف كل شيء عنه، وانه وقع، وعليه أن ينقذ نفسه إنه يضخم العدو ويهمش المجاهدين، ويشكك بهم، ويضع للمجاهد في سلم الأولويات مصالحه الذاتية ويحاول دفعه للتفكير بها ويحاول أن يصرفه عن التفكير بالمثل العليا والمصلحة العامة مؤكداً أنها مجرد سراب.
على المجاهد ألا يُخدع بهذا الأسلوب.. الذي تشترك طاقة المحقق، وعقله، ونظرته، وتقلصات وجهه، وجديته، وحركة يديه، لكي يوجد حالة تأثير نفسي، وحالة سيطرة على المجاهد يمرر من خلالها كل ما يريد أن يوحيه إلى المجاهد لكي يسقطه في فخ الاعتراف. بعض المناضلين خدعوا بهذا الأسلوب، وصدموا عندما شاهدوا قادتهم في أوضاع مريحة يحتسون القهوة بحضور مجندة ويضحكون فانهاروا واعترفوا بكل شيء المجاهد كيّس فطن لا يُخدع، لانه يدرك ان التخيلات التي يحاول أن يمررها ضابط المخابرات أمام أعين المجاهد هي تخيلات خادعة، وكاذبة وإن كان لها مظهر منطقي.
المجاهد الذي تبدأ الشهادتان عنده بحرف لا عليه ان يتعود الرفض، ويرفض الهيمنة، والسيطرة في أقبية التحقيق كما تعودها ورفضها في الخارج على المجاهد أن لايكترث لاسلوب المحقق، وان يحيل بصره واهتمامه عنه الى اي شيء اخر، مثل صورة على الجدار وان يقاطع المحقق دوماً، لكي يفشل خطته، وان ينفي اي صلة له بالحركة والعمل، وان يحاول تأكيد حقيقة "انت غلطان، ابحث عن غيري انا برىء انا انسان عادي ليس لي في هذه المسائل"..
اسلوب التشكيك هو نوع من لعب الخداع التي يمارسها حاوٍ ماهر يحاول من خلال تجميعه لمجموعة جزيئات صغيرة صحيحة أن يقدم حقيقة كاذبة، كما يخدع الساحر الحواس، يحاول المحقق بمهارة ولكن لا ليخدع الحواس، بل ليخدع العقل، أن المحقق الذي يتقمص شخصية الحاوي الماهر، تهتز شخصيته المزيفة كلما وجد أن المجاهد لا يكترث له ولحديثه، وتبدأ في الفشل كلما قاطع المجاهد حديثه، وأبدى عدم الاستجابة والتأثر به وعندما يشعر أن إسلوبه أصبح فاشلاً وغير مُجدٍ تثور أعصابه ويتوتر، ويأخذ في الشتم والضرب وهي علامات فشل، وعلامات ضعف، وعلامات هزيمة. لقد جرب ذلك اخوة مجاهدون فشل الجلاد وانهار أمامهم، أمام رفضهم، وتعنتهم، ومعرفتهم بهذا الاسلوب الذي لا ينطلي إلا على الجهلة وضعيفي الارادة .